Materi Perkuliahan Kritik Sastra Arab (Al-Qira’ah Al-Rasyidah)
هل تعــاهدني على ترك الكذب
تقدّم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجل يريد الإسلام فبعد أن نـطق بالشّهادة قال: “إنّي أقـترف من الذنوب يا رسول الله ما لا أستطيع تركه” فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم “هل تعاهدني على ترك الكذب” قال “نعم” ثمّ عاهده على ذلك وانصرف وهو يقول في نفسه “ما أهون ما طلب منيّ هذا النّبي الكريم”.
فلمّا أراد الرّجل بعد ذلك أن يسرق قال في نفسه “إن سرقت وسألني الرسول فماذا يكون جوابي إن أجبت بنعم فقد حقّ عليّ العقاب وإن أجبت بلا فقد كذبت وقد عاهدته على ترك الكذب إذن فخير لي أن أبتعد عن السرقة”.
فابتعد عنها وصار بعد ذلك يتذكّر عهده كلّما حدثته نفسه بارتكاب إثم فيبتعد عنه حتىّ صلح حاله وصار من خيار النّاس العاملين على نصرة ا لدّين والتّمسّك به وبفضائله.
الشروق
قبل أن يسرق الشّمس علينا بضيائها الباهر ترسل من أشعّتها شعاعا ينـزل على ظلمة الليل فيخفّفها ويقابل السّحب والغمام فتفتح له صدرها فرحا بقدومه وتتزيّن بأجمل الألوان من أحمر وأزرق وأخضر وبنفسجي وتلبس السّماء في الشّرق والغرب لباسا مبرقشا منظره جميل تجتذب النّاس إلى التبكـير في القيام ليتمتّعوا بما خلق الله من جمال وبهاء ثمّ تزيد الأشعّة في الظهور قليلا قليلا فتغيّر بشدّتها تلك الألوان الزّاهية فتنقلب كلّها حمراء خالصة وأخيرا تظهر الشمس فوق الأفق فتملأ الدنيا ضياء ونشاطا.
وأمّا من يظلّ نائـما في فراشه إلى ضحوة النّهار فهو الكسلان الّذي لا يجد في نفسه همّة لاجتلاء دواعي السّرور فكيف يستطيع أن يؤدّي نصيبه من الأعمال وقد جاء في الحديث الشّريف “نومة الصّبح تورث الفقـر”.
التهاون
كان رجلان يشتغلان في صنع سفينة فوجدا دودة في قطعة خشب صغيرة وأراد أحدهما أن يرميها فلم يرض زميله وقال “إنّها خشبة صغيرة لا تأثير لها في بناء السّفينة وفي رميها خسارة علينا”. فأدخلت الخشبة وتمّت السّفينة وصارت تغدو وتروح في البحر بسلام وبعد سنين قليلة ولدت الدودة ديدانا كثيرة أكلت قلب الخشبة حتىّ نخرتها وسرت فيما جاورها من الخشب حتىّ وهن وصادف السّفينة نوء شديد خرمها خرما صغيرا دخل منه الماء ثمّ اتّسع الخرم حتىّ لم يستطع الملاّحون تصريف الماء الداخل في السّفينة فتثاقلت وغرقت بما فيها من الأموال والأنفس.
ولا شكّ أنّ هذا الخرم لم ينشأ إلاّ من تلك الخشبة الصغيرة الّتي كانت فيها الدودة ولو رميت عند ما ظهر عيبها لما حصلت هذه المصيـبة المحزنة فإنّ العمل الصغير كثيرا ما يأتي بنتائج يكون لها تأتـثير كبير إنّ الأمور دقيقها مماّ يهيج له العظيم.
نهضة اللغة
لقد أتى على اللّغة العربيّة حين من الدّهر هجرها فيه أهلها أياّم دول المماليك ونسوا ما كانت عليه من الفصاحة والرقيّ والانتشار العظيم في كثير من الأقطار بين جميع الطبقات عظيمها وحقيرها لما امتازت به من الرقّة والسّعة أياّم دول الإسلام. ولقد شعر العرب بعد انتظام بلادهم في هذا العصر الحديث بشدّة الحاجة إلى إحياء اللّغة فنشأت بين أظهرهم نهضة مباركة تناولت كلّ طبقات الأمّة فحريّ بأبناء البلاد اليوم أن يعملوا جهدهم على بلوغ هذه الغاية فإذا تكلّمت فلا تستعمل من الكلمات إلاّ ما يصحّ أن تكتبه وإذا كتبت فلا تكتب إلاّ الكلمات الّتي تراها في الكتب وحينئذ يجب عليك إذا قرأت أن تضبط الكلمات لأنهّا ستأتي في حديثك مع الناّس وأن تتأمّل إلى رسمها لأنّك ستكتبها في دروسك أو في رسائلك وأن تعلّق معناها وتعرف مواضع استعمالها حتىّ تكون مدقّقا فالنّاس لا يعرفون أنّك تعلّمت إلاّ إذا كنت مدقّقا في قولك وكتابتك ولغتنا لا تحيا ولا تزهو إلاّ إذا نهضنا بها على هذا النحو فتجنّب لغة العامّة والتزم التعبير باللّغة الصحيحة ما قدرت فإذا قام كلّ المتعلّمين بذلك كثر ا لمتكلّمون باللّغة الصّحيحة وإذا كثروا كثر المقتدون بهم وعمّت الألفاظ الصّحيحة جميع طبقات الأمّة وألف النّاس الألفاظ العلمية فتكونون قد أدّيتم بذلك خدمة للغة الإسلام.
الغراب والحرة
عطش غراب وأراد الشّرب، وطفق يبحث عن ماء في كلّ ماجاوره من الجهات. فخاب سعيه ولم يجد إلاّ جرّة في قعرها قليل من الماء، لم يقدر أن يصل إليه لبعد غورها ولطول عنقها. ولكنّ العطش اشـتدّ به، فأعمل فكره في تدبـير حيلة يرفع بها الماء إليه، مادام هو غير قادر على الوصول إلى الماء، وصمّم على ألاّ يترك المكان، حتىّ يشرب من تلك الجرّة. وقال في نفسه “إذا صدق العزم وضح السـبيل”.
عند ذلك التفت حوله، فرأى حجارة صغيرة كثيرة، فذهب إليها وأخذ واحدا بمنقاره، ورماه في الجرّة، فارتفع الماء قليلا. فعاد وجاء بغيره. فزاد ارتفاع الماء. فأدرك أنّه إذا استـمرّ على عمله هذا ودأب عليه، بلغ غايته وأطفأ حرارة عطشه. فلبث ينقل الحجارة ويرميها في جوف الجرّة، والماء يرتفع فيها قليلا قليلا، حتىّ أمكنه أن يصل إليه أخيرا، فشرب حتىّ روي بعد صبره وجدّه وكذلك “كلّ من جدّ وجد”.
هدية الفيران
كان لامرأة قطّ جميل تحبّه كثيرا لبراعته في صيد الفيران، وتتسلّى بمداعبته ساعات الانفراد. فخرج القطّ يوما ولم يعد كعادته. فقلقت المرأة عليه، وخرجت تبحث عنه، فوجدته في الطّريق قتيلا برصاصة في رأسه. فحزنت عليه حزنا شديدا.
وبعد أيّام قلائل، بلغها أنّ جارها هو الّذي قتل ذلك القطّ لحاجة في نفسه. فاغتاظت من ذلك الفعل السيّئ، وصمّمت على الانتقام من جارها، الّذي لم يراع حرمة الجوار، ولم يشك ذلك القطّ إليها أبدا. فاشترت جملة مصايد للفيران، صادت بها أكثر من خمسين فأرا. ثمّ وضعت الفيران في صندوق كبيرا، وكتبت عليه اسم جارها وأرسلته إليه بالبريد.
ولماّ تسلّم الرّجل الصّندوق فرح به، وظنّه هديّة نفيسة من أحد أصدقائه. ففتحه ليرى ما فيه، وإذا الفيران خرجت تثب في وجهه، وانتشرت في أنحاء الغرفة وهو يتقزّز من ذلك المنظر الخبيث، ولم يدر سببا لهذه المكيدة. ثمّ التفت في ا لصندوق فرأى ورقة مكتوبا فيها العبارة الآتية:
“لقد قتلت قطّي وحرمتني وجوده، فأهديت لك هذه الفيران الّتي أصبحت تمرح في بيتي بلا رقيب”
فصبر الرّجل على هذه المصيبة، الّتي اعتبرها جزاء حقّا على سوء فعله.
الحمامة والنملة
ذهبت نملة صغيرة إلى جدول ماء لتشرب وتستريح، بعد أن تعبت كثيرا في جمع قوتها. فزلّت قدمها وسقطت في الماء، ولم يمكنها الخروج منه، لأنّها لا تعرف السباحة وكادت تغرق.
وكانت حمامة بيضاء جميلة واقفة على حجر في الماء، ورأت ما حصل للنملة. فرقّ لها قلبها وسعت في خلاصها، فطارت إلى البـرّ ورجعت، وفي منقارها عود من الحشيش، مـدّته على الماء إلى البـرّ. فتعلّقت به النملة وخرجت من الماء بسلام.
وبعد ذلك بأيـّام، نزلت الحمامة على فرع شجرة تتظلّل بأورقها. فمرّ صيّاد من بعد ورآها. فوقف يصوّب بنـدقيّته نحوها ليصيدها، وهي لم تره فتطـير. ولكنّ النملة الّتي خلّصتها تلك الحمامة رأت الصيّاد وعزمت ما عزم عليه، فصعدت في جسمه، ولماّ همّ بإطلاق بندقيّته، قرصته قرصة شديدة أفزعته، فتحرّك فمالت الرّصاصة ولم تصب الحمامة، بل نجت جزاء إحسانها إلى النّملة. “ومن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره”.
النمر
النمر حيوان يشبه القطّ في خلقته، ولكنّه أكبر جسما وأكثر قوّة، حتىّ إنّه ليفترس القويّ من الإنسان، والضحم من الحيوان. وكلّ مخلوق يفرّ منه متى رآه، لأنّه مغرم بقتل ما يصادفه بسبب وبغير سبب، بخلاف الأسد، فإنّه لا يقتل حيوانا إلاّ إذا جاع.
وجلد النّمر أرقط معلم بأعلام سود تمـتدّ من ظهره إلى بطنه. وله مخالب طويلة يـبرزها عند الهجوم، وأنياب تخـترق عظام فريسته. وهو لا يجري كغيره من الحيوان، بل يثب وثبات واسعة تزيد هجمته عنفا وشدّة.
والنمر موطنه الهند، ويسكن الغابات الكثيفة، بشرط أن تكون قريبة من الماء، حتىّ إذا خرج يبحث عن فريسة له ورأى الصيّادين في طلبه، عاد سابحا وبلغ غابته قبل أن يدركه أحد.
وفي الهند يخرج الصيّادون لصيده، ممتطـين ظهور الأفيال ومدجّـجين بالسلاح. فإذا رآهم قادمين عليه، توغّل في الغابة ليتوارى في خلالها. ولكنّ تمـوّج الأغصان ينمّ على مكانه، فيطلقون عليه الرّصاص فيقع قتيلا لا حراك به. وهو والفيل عدوّان لدودان. يخاف كلّ منهما الآخر. ولكنّهما إذا اجتمعا قامت بينهما حرب شديدة، فيتعلّق النمر بخرطوم الفيل، ويحاول الفيل أن يلقيه تحت أقدامه، ثمّ ينـزل عليه بكلّ جسمه فيقتله شرّ قتلة.
الأسد والثعلب
كان أسد يعيش في مكان يكثر فيه الشّجر. وكان متنعّما محترما، تهابه كلّ الوحوش في الأحراش، لشدّة بأسه. ولماّ شاخ ضعف، ولم يعد يقوى على اصطياد قوته كما كان أيـّام قوّته، حتىّ أشرف على الموت. فعمد إلى الحيلة لتحصيل غذائه، مادامت القوّة قد زالت منه. فتمارض واعتزل في غار، حتىّ إذا أتت الوحوش لزيارته قتلها غدرا، وافترسها داخل الغار وأكلها. وذات يوم أتى ثعلب، ووقف بباب الغار متردّدا بين الدخول والانصراف، حتىّ رآه الأسد وقال “أهلا بك يا أبا الحصين! ما بالك لا تدخل حتىّ نأتنس بك في حال الوحدة والمرض؟ ولو كنت صحيحا سليما لخرجت أنا لملاقتك، لما لك عندي من القيمة والاعتبار”. فقال الثّعلب “أتيت لأعود سـيّد الوحوش. وقد كنت عوّلت على الدخول والجلوس معه لأسلّيه، وأخفّف عنه الألم، غير أنّي أرى آثار أقدام كثيرة دخلت ولم تخرج، ولذلك أكتفي بسؤال سيّدي عن حاله، راجيا من الله له السّلامة”. ثمّ انصرف معتبرا بما قد حصل لغيره.
جماعة الفيران
كان رجل ماشيا في حقل في ليلة مقمرة، يمتّع نفسه بجمال الطبيعة في ذلك الوقت الهادئ، الّذي امتزج فيه بياض ضوء القمر بخضرة الزرع. فرأى جماعة من الفيران سائرة في طريق واحدة، فتعجّب من هذا المنظر النادر المثال، ووقف ينظر إليها من بعد. فشاهد في وسط الجمع، فأرة كبيرة عمياء، قابضة على طرف عود يابس بأسنانها، وبجانبها فأرة أخرى صغيرة، لها عينان برّاقتان، وقد أمسكت العود من طرفه الثاني، لتقود تلك الفأرة العجوز الضريرة، إلى حيث يتوجّه الجمع.
فانظر كيف ألهم الله ذلك الحيوان الأعجم، وعلّمه أن يعاون القويّ منه الضعيف. وهل بعد ذلك يقعد الإنسان العاقل، عن مدّ يد المعونة والمساعدة، إلى ذوي الحاجة من بني جنسه؟ كلاّ!! فإنّ قويّ اليوم، لابدّ أن يمسي ضعيفا غدا. ومتى عاون المرء القويّ أخاه الضعيف، وجد معينا إذا نزل به الضعف. والله في عون العبد، مادام العبد في عون أخيه.
الشجاعة والجبن
خرج رمضان وسليمان يتمشّيان فرأيا معركة في الطريق، وطلب سليمان من رمضان أن يقف معه ليريا ما يكون من أمرها. فأبى رمضان إلاّ متابعة السّـير، خوف أن يلحقهما أذى وليس لهما دخل فيها. فألحّ سليمان على رفيقه الّذي ما زال مصرّا على متابعة السـير، فغضب سليمان ورمى رمضان بالجـبن وافترقا.
وبعد ذلك صار سليمان وبعض خاصّته، يسخرون من رمضان، ويعـيّرونه بالجـبن. ولكنّ رمضان تحمّل أذاهم بالصبر الجميل، لعلمه أنّه ليس من الشّجاعة، أن يلقي المرء بنفسه في المخاطر، على غير طائل، وستظهر الأيّام مبلغ شجاعته يوما ما. وبعد ذلك بأيـّام، اتّفق أنّ سليمان كان يستحمّ مع رفاقه، وتجاوز حدّ منطقه الاستحمام فتعب، وصار يغطس ويطفو ويصرخ، مستغيثا بإخوانه الّذين كانوا مثله، يتباهون بشجاعة ليست فيهم، ولكنّهم تركوه وهربوا.
ولماّ رأى رمضان وهو على الشّاطئ ما حلّ بسليمان، خلع ملابسه بغاية السّرعة، ووثب في المـاء وسبح، وخاطر بنفسه ليخلّصه. وبعد الجهد العظيم أخرجه سـالما.
وبهذا العمل، خجل سليمان ورفاقه من تعدّيهم على رمضان، واعترفوا له بأنّه أكثرهم شجاعة وحكمة.
حيلة العنكبوت
أخذ رجل عصا وغرزها في بركة ماء بالقرب من حافّتها، ثمّ أخذ عنكبوتا ووضعها على طرف العصا، ووقف يلاحظ ما تأتي به العنكبوت من الحيلة للخروج من تلك الجزيرة.
فنـزلت من أعلى العصا ببطء حتىّ وصلت إلى الماء، فرأت أنّ الطريق مسدودة، فجعلت تدور حول العصا أملا في أن تجد منفذا. ولماّ خاب سعيها عادت إلى أعلى العصا، ولبثت برهة من غير أن تتحرّك، كأنّها تفكّر في تدبير حيلة تخلّصها من سجنها.
وأخيرا أخرجت من جوفها خيطا طويلا ألصقت أحد طرفيه بأعلى العصا، وأرسلت الثاني يطير في الهواء، وهي ترقب ما يفعل الله به، إلى أن وقع على شجرة صغيرة على حافّة البركة ولصق بها، فعبرت القنطرة الّتي صنعتها، ووصلت إلى البرّ سالمة مسرورة.
ولماّ شاهد الرّجل ذلك، أيقن أنّ الله لم يخلق حيوانا مهما كان صغيرا، من غير أن يجعل فيه ما يستطيع به أن يدبّر أموره بنفسه.
عن المرء لا تسأل وسل قرينه
كان زرّاع يرى العصافير تنـزل في حقل له، وتأكل القمح من سنبله متى أدرك. وكان ينصب لها مجدارا لكي تخاف متى رأته فتبعد عن الزرع. ولكنّ ذلك لم يأت بفائدة، فغضب الرّجل ونصب لها شركا ليصيدها ويقتلها، جزاء على إضرارها بزرعه.
فوقعت في الشّرك وزّة مع العصافير. ولمّا ذهب الرّجل ليأخذها، بكت الوزّة بكاء شديدا، وتوسّلت إليه أن يطلقها، لأنّها لم تشارك صاحباتها العصافير في أكل القمح، ولكنّها رافقتهنّ لتمكّن الصداقة بينها وبينهنّ، ولا ذنب لها عند الزرّاع يأخذها به، وليس من العدل أن يعاملها كما يعامل العصافير الّتي آذته، والله سبحانه وتعالى يقول “ولا تزر وازرة وزر أخرى”.
فقال لها الزرّاع “وما يدريني أنّك لم تأكلي من قمحي، مع رفيقاتك السارقات الناهبات؟ بل بالعكس أنا أعلم أنّ الإنسان لا يصاحب إلاّ من كان مثله في العادات والأخلاق والأعمال. ولقد ضبطتك الآن مع الأشرار في أثناء السّرقة، فحقّ عليك عقابهم. وما أنا إلاّ إنسان كسائر النّاس، لا أعلم ما تكنّ الأنفس، وما استـتر في القلوب”.
الصياد والأسد
خرج رجل للصّيد في البرّيّة، فرأى أسدا يسترق الخطا خلفه من بعد، كأنّه يقصد افتراسه، متى أتى الظلام. ولم يستطع الرّجل ان يهرب جريا، لعلمه أنّ الأسد يجري أسرع منه فيدركه. فمشى مسرعا وهو يتلفّت وراءه، ليـراقب حركات الأسد. وصار يفكّر في حيلة تنجيه من ذلك العدوّ الكاسر.
وأخيرا بلغ هضبة عالية فصعد عليها، وكانت الشّمس قد مالت للغروب، وأخذ النّور يزول. فتأمّل الرّجل حواليه، فرأى أمامه هوّة عميقة جدّا، كلّها صخور كبيرة. فخلع معطفه وقبّعته، وركّبهما على بندقيّته، ثمّ اختفى خلف صحرة في الهضبة، ورفع البندقيّة بما عليها من الملابس.
فتخيّل الأسد أنّها الرّجل لا يزال واقفا في مكانه. فتقبّض واستجمع قواه، ووثب وثبة شديدة على ذلك الشّبح، فسقط في قعر الهوّة، ومات صريعا على صخورها، ونجا الرّجل بحيلته.
الخادم والسمكة
أرسل سيّد خادمه ليشتري له سمكا من السّوق. فلمّا وصل إلى الحانوت، وجد زحام المشترين شديدا، فوقف برهة ينتظر خفّة الزّحام، والنّاس يتسابقون إلى الشّراء بلا ترتيب. فلمّا طال انتظاره دفع إلى داخل الحانوت، وقبض على سمكة ورجا من البائع أن يزنها.
ولماّ لم يلتفت السمّاك إليه لحقارة ثيابه، كرّر عليه الطّلب، فلم يزدد إلاّ انصرافا عنه. فتغيّظ الخادم من معاملة البائع له، ودبّر في نفسه حيلة لطيفة يكيد له بها.
فأخذ سمكة وقرّبها من أنفه كأنّه يشمّها، فاغتاظ البائع من ذلك وقال غاضبا: “لماذا تشمّ سمكي أيّها الرّجل وليس عندي سمك نـتن؟ اترك السّمك إن لم يعجبك، وارحل عنيّ ورزقي على الله”.
فقال الخادم: “أنا لا أشمّ هذه السّمكة، ولكنيّ أسمع منها الجواب عن سؤال ألقيته عليها”.
فقال السمّاك “ماذا سألتها وبماذا أجبتك؟” فقال الخادم “سألتها هل رأت أخي الّذي غرق في البحر منذ ثلاثة أيـّام فأجابت أنّها لا تعرف شيـئا من أخبار البحر الحديثة، لأنّها خرجت منه منذ أسبوعين”.
ساعة الحائط والمزولة
كان في حديقة دار كبيرة مزولة تبيّن الوقت وكان من ضمن البناء برج عال، في قمّته ساعة كبيرة تطلّ على الحديقة. وفي يوم كثير الغيم، قالت الساعة للمزولة “كيف ترضين أن تقفي موقفك هذا من غير عمل؟ إنّك لممّن يتّكلون على من سواهم، فلا تستطيعين أن تؤدّي عملك، وتبيّني الوقت، إلاّ إذا أضاءت عليك الشّمس، أمّا أنا، فإنّي أعمل ليلا ونهارا، صيفا وشتاء معتمدة على نفسي، فأبيّن للنّاس أوقات عملهم وراحتهم وأكلهم وصلاتهم ونومهم. اسمعي هأنذا أدقّ: واحدة اثنتين ، ثلاثا، أربعا. أمّا أنت، فلا يستفيد من أحد إلاّ إذا أتى ليراك”.
ثمّ طهرت الشّمس من وراء السّحاب، فتبيّن أنّ في السّاعة تأخّرا قدره نصف ساعة. وعند ذلك تبسّمت المزولة مستهزئة يخطإ جارتها، وقالت “الآن قد ظهر الحقّ. أنت تعملين فتخطئين، وتوقعين في الخطإ من يتّكل عليك، فلا يأتيهم منك إلاّ الضّرر” فقالت السّاعة “ليس العيب أن يعمل المرء ويخطئ، ولكنّ العيب أن يتّكل على غيره في عمله
مزية التصوير
كان مصوّر مسافرا وهو يحمل مبلغا كبيرا من النقود، في كيس علّقه حول عنقه. فنـزل ليلا ببلد لم يجد فيه خانا، فأنزله أحد الأهالي ضيفا عنده. ولماّ رأى أنّه يحمل ذلك المال الكثير، لبث يرقبه حتىّ نام، ودخل عليه حجرته يسترق الخطى لكيلا يستيقظ، وسلبه المال، وحمله بلطف وخفّة، وألقاه في الطّريق بعيدا عن الدار. ولماّ استيقظ الرّجل من نومه في الصّباح، وجد نفسه في الطّريق ولا مال معه. فذهب إلى الحاكم وشكا إليه أمره فسأله الحاكم “أتعرف من مضيفك بالأمس؟” فقال لا، ولكنيّ مصوّر ماهر، أستطيع أن أصوّر لك أهل البيت الّذي كنت فيه، فتعرفهم أنت أو عمّالك”
ثمّ اختلى المصوّر في غرفة، وصوّر كلّ أعضاء تلك الأسرة الخائنة. فعرضت ا لصّورة على الأهالي فعرفوهم، وجاءوا بهم إلى الحاكم. فأقرّوا بذنبهم، وردّوا المال إلى صاحبه. وعاقبهم الحاكم عقابا شديدا، لأنّهم خانوا من ائتمنهم على نفسه وماله.
جزاء الصدق
ذهب فلاّح إلى جار له غنيّ مولع بالصيد، وشكا إليه ما أصاب القمح في حقله من التلف، بسبب كثرة دخول كلابه فيه.
فقال الجار “حقيقة ياصاحبي كثيرا ما نزلت كلابي في حقلك، وربما سببت شيئا من التلف، وأنا مستعد لتعويض خسارتك”.
فقال الفلاح “لما رأيت ما حل بأرضي من التلف، دعوت صديقا لي لتقدير الخسارة، ونرى أنها تبلغثلاثين جنيها”. فقدما إليه السري ما طلب من العوض.
ولما جاء وقت الحصد، وجد الفلاح أن الجزء الذي ظنه تالفا أتى بأحسن حاصل. فذهب إلى السري، وأعلمه بحقيقة الحال، وقال “إنه قد أتى لرد المبلغ، لانه لا يرى لنفسه حقا فيه”.
فقال السري “هذا ما ينبغي بين الرجل والرجل”. ثم ذهب إلى حجرة أخرى، وعاد ومعه خمسة أمثال المبلغ، وقدمه إلى الفلاح قائلا “ادخر هذا المبلغ، حتى تصير عمر ابنك إحدى وعشرين سنة، وإذ ذاك سلمه إليه، وقص عليه قصته”.
Untuk makalah dalam bentuk word dapat di download disini : Untitled 2